إن البحث عن المخيال العربي في الأحاديث المنسوبة إلى الرسول يجعلنا ننظر إلى المسألة خارج منظور التدين وداخل منظور تصور الإنسان لترتيب الفضاء الإسلامي استناداً إلى أحداث عجيبة منسوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وبهذه الصيغة فإننا سنتعامل مع تراث غلب عليه التراكم، وبرزت الحاجة أكيدة إلى إعادة ترتيبه وضرورة تصنيفه قصد فهمه في سياقه، وتبين وجوه توظيفه في عصره، والوقوف عند نسق تطوره.

هذا البحث يسهم في إعادة النظر في السائد والمتداول من عناصر تراثنا الثقافي والديني من جهة، وفي تبين ملامح منظومة المخيال الاجتماعي والديني من جهة أخرى، بالاستناد إلى مدونات متعددة تعود إلى حقول التفسير والحديث والسيرة والمأثورات العربية والإسلامية في أزمنة مختلفة. ولا شك أن التبصر في مدارات المخيال يساعد على تبين ملامح الأجيال المتعاقبة داخل الفضاء الإسلامي في مجالي التصور والتمثل من جهة، وفي سياق التفكر والتفكير من جهة أخرى، فالروايات تستند على مدلولات، وترمي إلى تحقيق غايات محددة.

أما طريقة تنظيم هذا العمل ومباشرته فتقوم على توزيع البحث على أبواب، والاستناد إلى مقاربة تضمن التزام الموضوعية في الطرح والأمانة في العرض. واستقام عندنا أن ننظر في القضايا في إطار تعقبها ضمن خط تاريخي عاد بنا في نقطة انطلاقه إلى زمن البدايات وانتهى بسلسلة غزوات محمد ونشأة أمة الاستجابة وقد تمثلت وجوها من حياتها وعادها.

وينقسم العمل إلى قسمين كبيرين، ينتهي القسم الأول عند حدود بدء نزول الوحي، ويضم بابين واسعين، يتعلق الأول بالخوارق الحافة بولادة النبي ويشمل فصولاً أربعة، أما الثاني فيعرض لخوارق النشأة الأولى قبل البعث، ويتوزع على فصول خمسة. ومكننا هذا القسم الأول من فتح المجال وسيعاً للنظر في نصوص الخوارق المتعلقة بدائرة النبوة بعد نزول الوحي، ورأينا أن نوزع القسم الثاني بشكل ثنائي أيضاً، فنتعقب في الباب الثالث من هذا البحث، ضمن ثلاثة فصول، الروايات المتواترة الحاملة للأحداث المفارقة والمنسوبة إلى محمد في الفترة المكية، لنثني بإفراد الباب الرابع والأخير للأحداث العجيبة المصاحبة للهجرة، والمتصلة بنشر الدعوة بالمجادلة والمقاتلة، مبثوثة في ثلاثة فصول متلاحقة.

ولقد كان حاضراً في ذهننا ضمن مختلف مراحل إنجاز البحث أن عملنا لا يتنزل في إطار الدراسات اللاهوتية التي تجيب عن أسئلة تغاير مشغلنا، ولا في إطار دراسة الأديان للوقوف على ما تمثل الديانة في نظر أتباعها، ورمنا مقابل ذلك أن ننظر في حياة الإنسان وكيف تمثلها لإثبات حضوره على وجه مخصوص، ولذا استفدنا من منهجين في مجال المقاربة، الأول يعود إلى العلوم الإنسانية وما وفرته من مناهج ومعارف في تعقب تاريخ الأفكار وتشكيل الذهنيات، والثاني يتصل بالأنتروبولوجيا الثقافية بوصفها علم دراسة الجماعات الإنسانية وسلوكها وإنتاجها.

ونحن نأمل أن يكون عملنا هذا يدشن باباً عريضاً للبحث والاستكشاف في مجالات الثقافة الإسلامية وأثرها في تنظيم حياة الجماعات في الأزمنة المتلاحقة في مدار التعقب الموضوعي لتراثنا قصد الإعداد للمرحلة الثانية الواجبة، وهي إنتاج المعرفة والإسهام في تشكيل عناصر الثقافة الكونية، فنكون بذلك جزءاً مؤسساً لا جزءاً تابعاً.