Jadaliyat al-Rawaq: Azminat al-'Imarah al-Makkiyah lil-Masjid al-Haram جدلية الرواق ؛ أزمنة العمارة المكية للمسجد الحرام
By: Ibn Junayd, Yaḥya Maḥmud (b.1366/1946) يحيى محمود بن جنيدLanguage: Arabic
Hardcover
select image to view/enlarge/scroll
Shop With Security
Visit us on Social Media
Bringing you the best selections in partnership with Dar al-Kitab al-Arabi USA Visit alkitab.com
ويوضّح الكتاب أنّ أوّل مَن وسّع المسجد الحرام هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وواجه في سبيل ذلك بعض الاعتراضات التي تغلّب عليها، وقد رأى بواسع حكمته أنْ تُهدم الدور التي حول الحرم، وتُضمَّ أماكنها إلى المسجد؛ لأنّ أمْر جموع المسلمين ومصلحتَهم أهمّ من أمْر الأفراد ومصالحهم. ثم أمَر عثمان بن عفان في خلافته باستخدام الأروقة في جميع جوانب المسجد الحرام، وليس في جانبٍ واحد منه. وأدّى عبدالله بن الزبير دَوراً مميزاً في توسعة المسجد، حيث اشترى دُوراً من الناس، وأدخلَها فيه. ثم شهِد المسجد توسعة وعمارةً مميزتين من الخليفتين الأمويّين عبدالملك بن مروان، وابنه الوليد. وفي العصر العباسي أسهم مجموعة من الخلفاء في مزيدٍ من التوسعة والعمارة والترميم، ابتداءً بأبي جعفر المنصور، وانتهاء بالخليفة المستعصم بالله. وكانت أكبر توسعة شهدها المسجد الحرام من القرن الثاني حتى الرابع عشر هي التي تمّت على يد الخليفة المهدي العباسي، حيث أدّى تزايد أعداد المسلمين في عهده إلى ضرورة زيادة المساحة، ولم يُزد فيه بعدها إلا زيادتان طفيفتان أجراهما العبّاسيان المعتضد بالله والمقتدر بالله، وسُجّلت توسعة المهدي العبّاسي على أربعة أعمدة رخامية كانت في الرواق الجنوبي الغربي، ويشهد التاريخ وواقع المسجد على أن تلك التوسعة كانت هي الأكمل والأجمل منذ ذلك الحين إلى ما قبل منتصف القرن الرابع عشر.
ويبيّن الكتاب أن مكّة المكرمة كان لها معمارها الخاص منذ أقدم العصور، وتجلّى ذلك في تصميم دار الندوة، وقد انطلق معمار المساجد من الجزيرة العربية، ومن المدينة المنورة على وجه الخصوص، وتدلّ قصور وادي العقيق بالمدينة المنورة، التي أنشئت في القرن الهجري الأول، واستُخدمت الأروقة في بعضها، تدلّ على فخامة العمران وأصالته في الجزيرة العربية، منذ تلك الحقبة المتقدمة تاريخياً. حتى إن مخطَّط القصر العباسي في الحُميمة يتجانس مع التقاليد البنائية التي شاعت في قصور شبه الجزيرة العربية.
وقد ظلّ المهندسون من أبناء مكّة المكرمة يسهمون في عمارة المسجد الحرام على مر العصور، وتولّى جملة من أبناء الأُسَر المكّية العريقة الإشراف على عمارة المسجد الحرام، وكانت مكّة رائدةً في عالَم النقش والكتابة الحجَريّة طَوال قرون.
إنّ مِن المعروف المسلّم به أنّ كثرة الوافدين إلى مكة والقاصدين حرَمَها أوجبَت التوسعةَ والتضحيةَ بالآثار عبر التاريخ، وقد عرَض بعض الرّحالين من العرَب والأجانب لِأمْر التوسعة التي يفرضها الواقع النابع من تكاثر الحجّاج ومِن تكوين مكة الجغرافي، وقدّموا وصفاً يؤكد حقيقةَ وتفاصيلَ توسعةِ المهدي العبّاسي والعمارة التي نفّذها في المسجد الحرام وبقيت على ما هي عليه قروناً من الزمن، وأبدَوا إعجابهم بالنمَط العمراني لمكة، وأشادوا بتميّزه بالعمائر ذات الطوابق المتعددة، والرواشن المزخرفة.
وبعد ذلك جاءت التوسعة السعودية، التي استمرّت وتواصلت في عهود ملوك السعودية، ولا تزال تُطَوَّر الآن على قدَم وساق، وهي أكبر توسعة في التاريخ للمسجد الحرام؛ إذ ضاعفَت حجمه عشرات المرات، فوصلت مساحته إلى نحو 1.5 مليون متر مربع تقريباً.
ويؤكد الدكتور ابن جنيد أن جدليّة الرواق لم تُطرح في وسائل الإعلام والتواصل المغرِضة مِن منطقٍ عقلانيّ، بل انطلَقَت مِن شغَف موتورٍ هَدَفُه غرسُ أفكارٍ باطلة، واختطافُ حقٍّ تاريخيّ ثابت لا يمكن نُكرانُه؛ فهذه الأروقة لم تُنسب على مدى التاريخ إلا إلى الجهات الأربع المعروفة لدى البشَر، مثل: الرواق الغربي، والرواق الشمالي، ولم يوجد قطّ «رواق عثماني» في المسجد الحرام، لا مِن قريبٍ ولا من بعيد. (alriyadh.com)