لقد زخرت المكتبة العربية بأصناف من الكتب وفي مجالات العلوم الإنسانية كافة وغيرها، ومن هذه العلوم كانت اللغة العربية تتمتع بقسم كبير منها، وبالتحديد معاجم اللغة العربية التي تعكس اهتمام العرب بلغتهم، حيث أشبعوها درساً وتمحيصاً ودراية، والناظر لذلك يرى أن هناك الكم الهائل من المعاجم اللغوية، على أن أحدها لا يشابه الآخر تماماً، مما يعكس ذلك اهتمام العرب بعلومهم.

وكتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني أحد هذه الكتب القيمة والثمينة التي تبرهن على ما قلناه ابتداء وقد قسم أبو عمر كتابه إلى عشرة أجزاء فرق عليها المواد اللغوية حسب حروف المعجم ابتداءً بحرف الألف وانتهاءً بحرف الياء، وقد سمى كل حرف باباً فقال: باب الألف، باب الباء... وهكذا... ونظم كل حرف الكلمات التي يبدأ أولها بذلك الحرف مراعاة للحرف الثاني والثالث كما هو حال المعاجم التي تأخرت عنه.

وتراه في بعض الأحيان يستطرد في الكلام حول كلمة ما أو فعل معين فيأتي بكل ما يحيط بالموضوع كما هو الحال في حديثه حول مراحل نضوج العنب، أو عند حديثه حول الضب وهكذا. وقد روى أبو عمر في كتبه أسماء لرواة كثيرين يزيد عددهم على المائة وجلهم غير معروفين ولعلهم من الأعراب الذين أخذ عنهم أبو عمر وفي البادية العربية. ومن خلال الاستقراء الأولى لرواة أبي عمرو ترى أن أغلبهم منسوبون إلى قبائلهم من دون تحديد لأسمائهم الصريحة فتراه يذكر مثلاً: الخزاعي، الأزدي، الباهلي، الحارثي، الزهيري، العقيلي، السعدي..

وهكذا فالكتاب يزخر بأمثال هؤلاء الرواة الذين أخذ عنهم أبو عمرو وقد حشد أبو عمرو في كتابه ثروة شعرية ولغوية كبيرة جمعها من أشعار القبائل التي كان يتجول بينها، وتكاد أكثر هذه الأشعار تكون مجهولة القائل وسوف نقرأ في الكتاب الذي بين يديك كثيراً من الأشعار الخالية من النسبة لعدم الاهتداء إلى قائلها بالرغم من التتبع الحثيث عن كل بيت ومحاولة نسبته إلى قائله.

وبالرغم من الأهمية اللغوية والأدبية والعلمية التي يتمتع بها الكتاب إلا أنه لم يكن ليخلو من بعض المطاعن والنواقص، منها: عدم الترتيب وعدم مراعاة الحرف الثاني والثالث في الباب الواحد. وهذا النقص تلافاه محقق هذا الكتاب بترتيب جذري للمواد مع مراعات الحرف الأول فالثاني فالثالث، وحذف الكلمات المكررة، وضبط نصوص الكتاب ضبطاً لغوياً وشرح الكثير من الكلمات التي لم يتبين معناها، كما وترجم لكثير من الأعلام الوارد ذكرهم في الكلمات وختم مادة الكتاب بفهارس علمية تسهل على القارئ البحث وتختصر من وقته.