موسوعة مصطلحات الفكر العربي والاسلامي الحديث والمعاصر 3 أجزاء / سميح دغيم

إذا كان المصطلح العربي والإسلامي القديم يلعب دوراً متميزاً في إحياء التراث، فإن المصطلح العربي والإسلامي الحديث يشكل فيها حلقة متابعة وتواصل بين الموروث والحادث. بل لعل المصطلح الحديث، ولا سيما المنتج منذ قرنين أو أقل، أصبح مصطلحاً تراثياً على الرغم من تغاير حقبة بروزه، واختلاف دلالاته وأغراضه وذهنيات أصحابه عن المصطلح القديم.. ولا مندوحة من الاعتراف بأن مصطلح فكر النهضة العربية والإسلامية الحديثة اختلف في معانيه ومراميه عن سابقه من الموروث العربي والإسلامي، لكنه مع تباينه كوّن مرحلة مهمة في سيرورة الفهم والتفكير والعطاء المصاغ باللغة العربية. وبهذا قدّم أنموذجاً له خصوصياته وميزاته في تجربة الثقافة العربية والإسلامية. لقد ازدهرت هذه الثقافة في الفترة (1600م - 1890م) وأخذت تحاول تأسيس عصر ثقافي جديد يتلمس طريقاً ليحفر في حضارة مستجدة مترقية عن سابقتها. وتمثل هذا الازدهار بذاك الزخم الهائل من الأفكار والعلوم التي اجتمعت عند اللغة العربية وبها، والتي أحياها نفر من الرواد.

هذا الاجتماع انعقد في ثلاثة توجهات، الأول: إعادة طباعة تصانيف ومؤلفات الحضارة العربية والإسلامية السالفة مع شرحها وتحليلها ونقدها. الثاني: استقبال الفكر الغربي الحديث بمعطياته التنويرية وقدراته الإبداعية والاكتشافية بالترجمة تارة والفهم المحوّر طوراً. الثالث: المزج بين الموروث والحادث بتقديم نظريات وأفكار جامعة، لم تبلغ مبلغ الاكتمال ليطلق عليها شعار المذهب أو العقيدة الفكرية.

من هنا يمكن القول بأن مصطلحات الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر تشكل التكملة الضرورية لمصطلحات سلسلة موسوعات المصطلحات العربية والإسلامية التي جاءت ضمن ثلاث مجلدات توزّعت على ثلاث حقب: الحقبة الأولى والتي نقلت صفحاتها (1700م - 1890م)، الحقبة الثانية (1890م - 1940م)، الحقبة الثالثة (1940م - 2000م)، وهي تغطي مصنفات الفكر النهضوي في مراحله. وهذه التكملة في هذه الموسوعة ليست كمية فحسب، أي أنها تمثّل بحدّ ذاتها زيادة كمية لمصطلحات منتجة في حقبة جديدة ومتابعة في مضمونها لمصطلحات الماضي، وإنما هذه الموسوعة عطاء فكري متميّز نوعياً عن المصطلحات السلفية أو السالفة، ويجيء لفظ السالفة ليعبّر عن حقبة زمنية تقارن ما سمّي في أوروبا فترة القرون الوسطى. ولعل هذا التميز الاصطلاحي في الفكر العربي والإسلامي الحديث ينكشف من خلال الاختلاف في المضامين والمعاني والمفاهيم والأفكار والعطاءات والكتابات بين القديم والحديث لفظاً ومعنى، هذا الحديث الذي تمّ تتبعه منذ القرن الثاني عشر الهجري، القرن الثامن عشر الميلادي وحتى أيامنا هذه.

وأما منهجية العمل في هذه الموسوعة "موسوعة مصطلحات الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر" فقد تمّ اختيار مصطلحات هذه الحقبة من الفكر العربي والإسلامي الحديث والمعاصر (1622 - 1890م) من بين عشرات المؤلفات لكتّاب عايشوا هذه الحقبة. وقد جرى اختيار من بين كتب كل مؤلف، تلك التي تعبّر أفضل تعبير عن مضمون آرائه. لذلك أسقط الكثير من كتب بعض المؤلفين لا سيما تلك التي تناولت موضوعات تردّدت ثناياها في كتب أخرى. بالإضافة إلى ذلك تمّ حصر التعريف بالمفاهيم الأساسية لبلورته وجعله مستقلاً بيّناً. وجرى في بعض الأحيان إلى تطويل شرح المصطلح، نتيجة المفاهيم المتسلسلة التي أرسلها واضعه وتعدّد الأفكار والنقاط، كما تمّ في بعض الأحيان للاختصار وذلك بحذف جزء من الشرح. إلى جانب ذلك أضيفت إلى التعريفات بعض الألفاظ التي وضعت بين هلالين لاستكمال المعنى أو للتوضيح مع استيفاء معظم التفريعات في المصطلح الواحد، لا سيما تلك المتداخلة معه ضمن حقل دلالي واحد.