أحببت سيرة إياد وشخصية بشير السبع أعين. جعلني أعشق المقانق وحبيب قلبه لي مارفن. العجيب في قضية إياد التزامه الصمت وامتناعه عن الرد على أسئلة مستجوبيه في قصر العدل. ظنّ المحققون أنها عقدة الخوف. أرسلوا بطلب طبيب نفسي. عيّنت نقابة الأطباء اختصاصياً نفسياً رفض إياد التجاوب معه. وضع الاختصاصي تقريرً فحواه أن المتهم يعاني اكتئاباً هوسياً ربما تسبب بانتحاله شخصية كاتب خلاعي، وأوصى التقرير بعدم اعتبار المتهم بريئاً من أفعاله، فلا شيء يحول نظرياً دون إقدام مريض الاكتئاب الهوسيّ على ارتكاب جنح أخلاقية وجنائية. بين سجن روحية ومصحّ دير الصليب للأمراض العقلية، تركت إياد في انتظار حكم القضاء، على غرار جميع القضايا في لبنان، أودع ملفه في درج تكسوه طبقة كثيفة من النمل والغبار. الساعة الآن الثالثة وعشر دقائق من فجر الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني 2004، القمر شاحب وهزيل، منذ أيام، افتتحت أول ملهى ليلي في بغداد بعد القبض على صدام حسين، اخترت له اسم "كباريه سعاد"... أنهي الكلمات الأخيرة من اعترافاتي على ضفاف دجلة. سأدع أوراقي والمخطوطة الاصلية لسيرة صاحب المغدور بوفائي في قارورة زجاجية وأرميها في مياه النهر لتشق طريقها بعيداً... إذا عثرت عليها مصادفة اقرأها ولا تخبر أحداُ بها... وإذا وصلت إلى يد ناشر وانتشرت، فناشرها عديم الأمانة... نشلها من الماء ونسب الكتابة إلى نفسه"...".

ضمن أجواء مشحونة بالتوتر وبالإباحية وبالمعاناة النفسية تجري أحداث كباريه سعاد، يستحضر الروائي من خلالها لقطات اجتماعية مرمزة حيناً، فاضحة أحياناً إلا أنها دائماً وأبداً تشي بالانحطاط الأخلاقي الذي يسري في المجتمعات وعلى جميع الأصعدة: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الشخصية... رواية تحمل من الغدر الكثير ومن الإخلاص القليل القليل.